سورة الواقعة - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ} حالٌ أُخرى من المقربينَ أو من ضميرِهم في الحالِ الأُولى وقيلَ: خبرٌ آخرُ للضميرِ والموضونةُ المنسوجةُ بالذهبِ مشبكةٌ بالدرِّ والياقوتِ أو المتواصلةُ من الوضنِ وهو النسجُ {مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا متقابلين} حالانِ من الضميرِ المستكنِّ فيما تعلقَ بهِ على سررٍ أي مستقرينَ على سررٍ متكئينَ عليها متقابلينَ لا ينظرُ بعضُهم من أقفاءِ بعضٍ وهو وصفٌ لهم بحسنِ العشرةِ وتهذيبِ الأخلاقِ والآدابِ. {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ} حالٌ أُخرى أو استئنافٌ أي يدورُ حولَهُم للخدمةِ {ولدان مُّخَلَّدُونَ} أي مبقونَ أبداً على شكلِ الولدانِ وطراوتِهم لا يتحولونَ عنها وقيلَ مقرطونَ والخُلد القِرطُ قيلَ: هم أولادُ أهلِ الدُّنيا لم يكُن لهم حسناتٌ فيثابُوا عليها ولا سيئاتٌ فيعاقبُوا عليها، رُويَ ذلكَ عن عليَ رضيَ الله عنه وعنِ الحسنِ رحمَهُ الله، وفي الحديثِ أولادُ الكفارِ خدامُ أهلِ الجنةِ {بِأَكْوَابٍ} بآنيةٍ لا عُرَى لها ولا خَراطيمُ. {وَأَبَارِيقَ} أي آنيةٌ ذاتُ عُرى وخَراطيمَ {وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ} أي خمرٍ جاريةٍ من العُيونِ قيلَ: إنما أفردَ الكأسَ لأنها لا تسمَّى كأساً إلا إذا كانتْ مملوءةً {لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} أيْ بسببها. وحقيقتُه لا يصدرُ صداعُهم عنْهَا. وقرئ: {لا يصَّدَّعُون} أي لا يتصدَّعُون ولا يتفرقونَ، كقولِه تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} وقرئ: {لا يُصدعونَ} أي لا يفرقُ بعضُهم بعضاً {وَلاَ يُنزِفُونَ} أي لا يسكرُون من أُنزِفَ الشاربُ إذا نفدَ عقلُه أو شرابُه {وفاكهة مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} أي يختارونه ويأخذون خيره وأفضله.
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} أي يتمنونَ وقرئ: {ولحومِ طيرٍ}.


{وَحُورٌ عِينٌ} بالرفعِ عطفٌ على والدانٌ أو مبتدأٌ محذوفُ الخبرِ أيْ وفيهَا أو لَهُم حورٌ. وقرئ بالجرِّ عطفاً على جنابِ النعيمِ، كأنَّه قيلَ هم في جناتٍ وفاكهةٍ ولحمٍ ومصاحبة حورٍ أو على أكوابٍ لأنَّ معنى يطوفُ عليهم ولدانٌ مخلدونَ بأكوابٍ يُنعَّمونَ بأكوابٍ وبالنصبِ أي ويُؤتونَ حُوراً. {كأمثال اللؤلؤ المكنون} صفة لحور أو حال. {جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} مفعول له أي يفعل بهم ذلكَ كلُّه جزاءً بأعمالِهم، أو مصدرٌ مؤكدٌ أي يُجزونَ جزاءً. {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً} أي باطلاً {وَلاَ تَأْثِيماً} أيْ ولا نسبةً إلى الإثمِ أيْ لا لغوَ فيهَا ولا تأثيمَ ولا سماعَ كقولِه:
ولاَ تَرَى الضبَّ بها ينجحِرُ ***
{إِلاَّ قِيلاً} أي قولاً {سلاما سلاما} بدلٌ من قيلاً كقوله تعالَى: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سلاما}، أو صفتُه أو مفعولُه بمَعْنى لا يسمعونَ فيها إلا أنْ يقولُوا سلاماً سلاماً والمَعْنى أنهم يُفشونَ السلامَ فيسلمونَ سلاماً بعدَ سلامٍ أو لا يسمعُ كلٌّ من المسلِّمِ والمسلَّمِ عليهِ إلا سلامَ الآخرِ بدءاً أو رداً. وقرئ: {سلامٌ سلامٌ} على الحكايةِ. وقوله تعالى: {وأصحاب اليمين} شروعٌ في تفصيل ما أُجملَ عند التقسيمِ من شؤونِهم الفاضلةِ إثرَ تفصيلِ شؤونِ السابقينَ وهو مبتدأُ وقولُه تعالى: {مَا أصحاب اليمين} جملةٌ استفهاميةٌ مسوقةٌ لتفخيمِهم والتعجيبِ من حالِهم وقد عرفتَ كيفيةَ سبكِها، محلُّها إما الرفعُ على أنَّها خبرٌ للمبتدأِ أو معترضةٌ لا محلَّ لها. والخبرُ قولُه تعالى: {فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} وهو على الأولِ خبرٌ ثانٍ للمبتدأِ أو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والجملةُ استئنافٌ لبيانِ ما أُبهمَ في قولِه تعالى: {مَا أصحاب اليمين} من علوِّ الشأنِ أي هم في سدرٍ غيرِ ذي شوكٍ لا كسِدْر الدُّنيا وهو شجرُ النبقِ كأنَّه خُضِّدَ شوكُه أي قطعَ وقيل: مخضودٌ أي مثنيٌّ أغصانُه لكثرةِ حملِه من خضَدَ الغصنُ إذا ثناهُ وهو رطبٌ {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} قد نُضّد حملُه من أسفلِه إلى أعلاهُ ليستْ له ساقٌ بارزةُ وهو شجرُ الموزِ أو أمُّ غيلانَ وله أنوارٌ كثيرةٌ منتظمةٌ طيبةُ الرائحةِ وعن السُّدِّيِّ: شجرٌ يُشبهُ طلحَ الدُّنيا ولكنْ له ثمرٌ أَحْلى من العسلِ. وعن عليَ رضيَ الله عنهُ أنه قرأَ وطلعٍ وما شأنُ الطلحِ وقرأَ قولَه تعالى: {لها طلعٌ نضيدٌ} فقيلَ أَوَ نُحوِّلُها قال: آيْ القرآنِ لا تُهاجُ ولا تحولُ وعن ابنِ عباسٍ نحوُه.


{وَظِلّ مَّمْدُودٍ} ممتدَ منبسطٍ لا يتقلصُ ولا يتفاوتُ كظلِّ ما بينَ طلوعِ الفجرِ وطلوعِ الشمسِ {وَمَاء مَّسْكُوبٍ} يُسكبُ لهُم أينما شاءُوا وكيفَما أرادُوا بلا تعبٍ أو مصبوبٍ سائلٍ يجري على الأرضِ في غير أخدودٍ، كأنَّه مثّلِ حالَ السابقينَ بأقصى ما يتصورُ لأهلِ المدنِ وحالَ أصحابِ اليمينِ بأكملِ ما يتصورُ لأهلِ البوادِي إيذاناً بالتفاوتِ بينَ الحالينِ {وفاكهة كَثِيرَةٍ} بحسبِ الأنواعِ والأجناسِ {لاَّ مَقْطُوعَةٍ} في وقتٍ من الأوقاتِ كفواكهِ الدُّنيا {وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} عن مُتناولِيها بوجهٍ من الوجوهِ لا يُحظر عليها كما يُحظر على بساتينِ الدُّنيا. وقرئ: {فاكهةٌ كثيرةٌ} بالرَّفعِ عَلى وهُناكَ فاكهةٌ الخ. كقولِه تعالى وحورٌ عينٌ. {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} أي رفيعةِ القدرِ أو منضدةٍ مرتفعةٍ أو مرفوعةٍ على الأسرّة وقيل الفرشُ النساءُ حيثُ يُكْنَى بالفراشِ عن المرأةِ وارتفاعُها كونُهنَّ على الأرائكِ. قالَ تعالَى: {هُمْ وأزواجهم فِى ظلال عَلَى الأرائك مُتَّكِئُونَ} ويدلُّ عليهِ قولُه تعالى: {إِنَّا أنشأناهن إِنشَاء} وعلى التفسيرِ الأولِ أضمر لهنُ لدلالةِ ذكرِ الفُرشِ التي هي المضاجعُ عليهن دلالةً بينةً والمعنى ابتدأنَا خلقهنَّ ابتداءً جديداً أو أبدعناهنَّ من غيرِ ولادٍ إبداءً أو إعادةً وفي الحديثِ: هُنَّ اللواتِي قُبضن في دارِ الدنيا عجائزَ شُمطاً رُمْصاً جعلهنَّ الله تعالَى بعدَ الكبرِ أتراباً على ميلادٍ واحدٍ في الاستواءِ كلما أتاهنَّ أزواجُهنَّ وجدوهنَّ أبكاراً. وذلكَ قولُه تعالى: {فجعلناهن أبكارا} وقوله تعالى: {عُرُباً} جمعُ عروبٍ وهي المتحببةُ إلى زوجِها الحسنةُ التبعلِ. وقرئ: {عُرْباً} بسكونِ الراءِ {أَتْرَاباً} مستوياتٍ في السنِّ بناتِ ثلاثٍ وثلاثين سنةً وكذا أزواجُهنَّ واللامُ في قولِه تعالى: {لأصحاب اليمين} متعلقةٌ بأنشأنَا أو جعلنَا أو بأتراباً كقولِك هَذا تِربٌ لهَذا أي مساوٍ له في السنِّ وقيل: بمحذوفٍ هو صفةٌ لأبكاراً أي كائناتٍ لأصحابِ اليمينِ أو خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ أي هُنَّ لأصحابِ اليمينِ وقيل: خبرٌ لقوله تعالى: {ثُلَّةٌ مّنَ الأولين * وَثُلَّةٌ مّنَ الأخرين} وهو بعيد بل هو خبر مبتدأ محذوف ختمت به قصة أصحاب اليمين أي هم أمة من الأولين وأمة من الآخرين وقد مرّ الكلام فيهما، وعن أبي العالية ومجاهد وعطاء والضحاك ثلةٌ من الأولينَ أي من سابقِي هذه الأمةِ وثلةٌ من الآخرينَ من هذه الأمةِ في آخرِ الزمانِ. وعن سعيدِ بن جُبيرٍ عن ابن عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا في هذه الآيةِ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هم جَميعاً منْ أمَّتِي».

1 | 2 | 3 | 4 | 5